ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بســــم الله الرحمــــن الرحــــيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( قُـلْ يَاعِبَـادِيَ الَّذِيــنَ أَسْــرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِــمْ
لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُـورُ الرَّحِيــمُ ، وَأَنِيبُــوا إِلَى
رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْــلِ أَن يَأْتِيَكُـــمُ الْعَذَابُ
ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ،وَاتَّبِعـُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم
مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ
لَا تَشْعُرُونَ ، أَن تَقُولَ نَفْـسٌ يَا حَسْرَتَى علَى
مَا فَــرَّطـــتُ فِي جَنــبِ اللَّهِ وَإِن كُنـتُ لَمِـــنَ
السَّاخِرِينَ ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْـتُ
مِنَ الْمُتَّقِينَ ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَــوْ
أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُـونَ مِنَ الْمُحْسِـنِـينَ ، بَلَى قَدْ
جَـاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَـذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ
مِنَ الْكَافِرِينَ ) سورة الزمر .
يخبر تعالى عباده المسرفيـن بسعة كـرمه ، و
يحثهم على الإنابة قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال
( قُلْ ) يا أيهــا الرســـول ومـن قام مقامه من
الدعـاة لديـن اللّه ، مخـبرا للعبـاد عــن ربهم
( يَا عِبَـــادِيَ الَّذِيـــنَ أَسْـرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ )
باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهـــم من الذنوب
والسعي في مساخط علام الغيوب .
( لَا تَقْنَطُـوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ) أي: لا تيــأسـوا
منهـا فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وتقولوا قد
كثـرت ذنوبنا وتراكمـت عــيوبنـا فليــس لها
طريق يزيلها ولا سبيــل يصــرفها ، فتبقـون
بسبب ذلك مصرين على العصيان ، متزودين
ما يغضــب عليكم الرحمن ولكن اعرفوا ربكم
بأسمـائه الدالة على كرمه وجوده ، واعلموا
أنه يغفـر الذنوب جميــعا من الشرك والقتــل
والزنا والربا والظـلم وغيــر ذلك من الذنوب
الكبـار والصـغار . ( إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
أي: وصـفه المغفــرة والرحمــة ، وصـفــان
لازمان ذاتيان ،لا تنفك ذاته عنهما ولم تزل
آثارهما سارية في الوجود ، مالئة للموجود
تسح يداه من الخيرات آناء الليل والنهار، و
يوالـي النعم على العباد والفواضل في السر
والجهار ، والعطاء أحــب إليــه من المنــع،
والرحمـة سبقت الغضـب وغلبــته ، ولكــن
لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب إن لم يأت
بها العبد ،فقد أغلق على نفسه باب الرحمة
والمغفرة ،أعظمها وأجلها ، بل لا سبب لها
غـيره ، الإنابــة إلــى اللّه تعــالى بالتــوبــة
النصــــوح ، والدعــاء والتضــرع والتـــأله
والتعبـد ، فهلم إلـى هــذا السبب الأجـل ، و
الطــريق الأعظم . ولهذا أمر تعالى بالإنابة
إليــه، والمبادرة إليهــــا فقال ( وَأَنِيبُوا إِلَى
رَبِّكُمْ ) بقلوبكم ( وَأَسْلِمُوا لَهُ ) بجوارحكم،
إذا أفـردت الإنابة ، دخلــت فيــها أعمـــــال
الجــوارح ، وإذا جمع بينهما ، كما في هذا
الموضع ، كان المعنى ما ذكرنا. وفي قوله
( إِلَى رَبِّكُـمْ وَأَسْلِمُـــــوا لَهُ ) دليـــل عـــلى
الإخلاص وأنه من دون إخــلاص لا تفـــيد
الأعمال الظاهرة والباطنة شيئا . ( مِّن قَبْلِ
أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ) مجيــئا لا يـــدفـــع ( ثُمَّ
لَا تُنصَرُونَ ) فكأنه قيـل : ما هـــي الإنابة
والإسلام؟ وما جزئياتها وأعمالها؟ فأجاب
تعالى بقوله( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم
مِّن رَّبِّكُم ) مما أمركم من الأعمال الباطنة
كمحـبة اللّه وخشــيته وخــوفه ورجــائه،
والنصح لعباده، ومحبة الخير لهم ،وترك
ما يضـاد ذلك . ومــن الأعمــال الظــاهرة
كالصلاة والزكاة والصيام والحج والصدقة
وأنواع الإحسان ونحو ذلك ، مما أمر اللّه
به ، وهو أحسن ما أنزل إلينـــا من ربنا ،
فالمتبـع لأوامــر ربــه فـــي هــذه الأمــور
ونحوها هو المنيب المسلم ، ( مِّن قَبْلِ أَن
يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )وكل
هــذا حـثٌّ على المبادرة وانتهاز الفرصــة.
ثـم حـذرهم ( أَن ) يستمروا على غفلتهـم،
حتى يأتيهم يوم يـنــدمــون فيه ، ولا تنفع
النـدامة . و ( تَقُـولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عـلَى
مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ ) أي: فـي جـــانب
حقـه. ( وَإِن كُنـــتُ ) فــي الدنــيـــا ( لَمِنَ
السَّاخِرِينَ ) في إتيان الجزاء ، حتى رأيته
عيـانا . ( أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ
مِـنَ الْمُتَّقِينَ ) و"لو" في هذا الموضـــــع
للتمني ، أي : ليــت أن اللّه هدانـي فأكون
متقــيا له فأسلــم مــن العقــاب وأستحــق
الثواب ، وليست "لو" هنا شرطية ، لأنها
لو كانت شرطية،لكانوا محتجين بالقضاء
والقدر على ضلالهم ، وهو حجـــة باطلة،
ويوم القيامة تضمحــل كــل حجــة باطلة.
( أَوْ تَقُـولَ حِيــنَ تَرَى الْعَـــذَابَ ) وتجــزم
بوروده ( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً ) أي : رجعة إلى
الدنيا لكنــت ( مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) قال تعالى
إن ذلك غيـر ممكن ولا مفيـــد ، وإن هذه
أماني باطلة لا حقيــقة لها ، إذ لا يتجــدد
للعبد لَوْ رُدَّ، بيان بعد البيان الأول. ( بَلَى
قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي ) الدالة دلالة لا يمتـــرى
فيها. على الحق (فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ)
عـن اتباعها ( وَكُنــتَ مِـــنَ الْكَافِـــرِينَ )
فســؤال الــرد إلــى الدنــيا ، نوع عبث،
( وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُــمْ
لَكَاذِبُونَ ) الأنعام28